قرار المحكمة العليا الإسرائيليّة بخصوص احتجاز الجثامين يعكس حالة التسييس لديها -jlac
الرئيسية » اخبار »

قرار المحكمة العليا الإسرائيليّة بخصوص احتجاز الجثامين يعكس حالة التسييس لديها


مركز القدس للمساعدة القانونية وحقوق الإنسان والحملة الوطنيّة لاسترداد جثامين الشهداء يطالبان بالإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع الجثامين المحتجزة لدى الاحتلال

- على الرغم من اعتراف المحكمة العليا لأول مرة بعدم قانونية احتجاز الجثامين وفقا للوائح الطوارئ التي سُنت إبان الانتداب البريطاني، فقد منحت الحكومة مهلة ستة أشهر لسن قانون يسمح لها باحتجاز الجثامين.
- أي قانون قد يصادق عليه الكنيست الإسرائيلي للسماح باحتجاز الجثامين سيمثل انتهاكا جسيما للقانون الدولي الإنساني وقانون حقوق الإنسان.

قبلت المحكمة الإسرائيلية العليا يوم الخميس الماضي التماسا قدمه كل من مركز القدس للمساعدة القانونية وحقوق الإنسان وهيئة شؤون الأسرى والمحررين، ممثلين لِست عائلات فلسطينية تحتجز سلطات الاحتلال جثامين أبنائها. حيث قررت المحمة أن سياسة الحكومة الأمنية المصغرة في احتجاز جثامين الشهداء الفلسطينيين كورقة تفاوض هو أمر غير قانوني، معلنة للمرة الأولى - وبأغلبية 2 إلى 1- بأن اللائحة 133(3) للوائح الطوارئ من العام 1945، والتي تستند إليها الحكومة كأساس قانوني لاحتجاز جثامين الشهداء، لا تخول القائد العسكري بشكل صريح وواضح باحتجاز الجثامين، ويقيد هذا القرار قدرة الاحتلال على احتجاز جثامين شهداء جدد، إلا من خلال سنّ قانون يسمح بذلك. بالمقابل، وعوضاً عن الحكم بالإفراج الفوري عن الجثامين المُحتجزة، تبنت المحكمة الإسرائيلية موقفاً "مساوماً" منح الاحتلال ستة أشهر لسن قانون يسمح بشكل مباشر وواضح وصريح باحتجاز الجثامين.

من الجدير ذكره أنّ هذا "الحل المراوغ للقوانين" بمثابة ضوء أخضر تقدمه المحكمة للحكومة الإسرائيلية للقيام بانتهاك صارخ وجسيم للحق في الكرامة الإنسانية. ويوضح هذا القرار مدى التزام المحكمة الإسرائيلية بـ"تبييض" سياسات الحكومة على حساب حماية حقوق الإنسان الأساسية.

وكان المجلس الوزاري المُصغر للشؤون الأمنية قد تبنى في كانون الثاني/يناير من هذا العام، سياسة توصي بإعادة جثامين الشهداء الفلسطينيين إلى عائلاتهم بشروط مقيّدة، ولكن مع وجود استثناءين يؤدي توفر أحدهما إلى إبقاء الجثامين محتجزة والاستثناءان هما: انتماء الشهيد لحركة حماس، مِما يساعد الاحتلال على استخدام جثمانه كورقة تفاوض للوصول إلى صفقة تبادل محتملة مع حماس، أو أن تكون العملية التي نفذها الشهيد استثنائية الخطورة.

تمارس سلطات الاحتلال الإسرائيلي سياسة احتجاز جثامين الشهداء الفلسطينيين والعرب منذ عقود، إلا أن المستشار القضائي لحكومة الاحتلال جمّد هذه السياسة دون أن يلغيها في العام 2004، وعادت حكومة الاحتلال لتطبيق هذه السياسة بشكل ممنهج منذ تشرين الأول/أكتوبر 2015، حيث احتجز الاحتلال منذ تلك الفترة جثامين أكثر من 140 شهيداً تم الإفراج عن معظمهم ولكن بعد أشهر من المعاناة والعقاب الجماعي بحق عائلاتهم. ويواصل الاحتلال احتجاز جثامين خمسة عشر شهيداً بناء على سياسة الحكومة المصغرة وأقدم الجثامين احتجازاً هو جثمان الشهيد عبد الحميد أبو سرور المحتجز لدى الاحتلال منذ نيسان/أبريل 2016.

علاوة على هذه الاحتجازات، ما زالت سلطات الاحتلال تحتجز جثامين عدد غير محدد من الجثامين (وثقت الحملة الوطنية لاسترداد الجثامين المحتجزة في مقابر الأرقام 265 شهيدا/ة محتجزة في ما بات يُعرف بـِ "مقابر الأرقام" بعضها منذ عدة عقود.

وأكد الملتمسون، الممثلون بالمحامي محمد أبو سنينة من مركز القدس للمساعدة القانونية وحقوق الإنسان والمحامي محمد محمود من هيئة شؤون الأسرى، أن القانون المحلي الإسرائيلي لا يحتوي على نص قانوني واضح ومباشر وصريح لاحتجاز الجثامين، وأن احتجاز الجثامين ينتهك الحق الدستوري في الكرامة المغلف بقانون أساس: حرية الإنسان وكرامته، ويخالف كذلك القانون الدولي الإنساني وقانون حقوق الإنسان. من الجدير ذكره أنّ احتجاز الجثامين يصادر حق الأسر في دفن أحبتها وفقًا لمعتقداتها الدينية والثقافية ويحرمها من الحق في الحداد ويثقل كاهل العائلات بعقوبة جماعية نفسية هائلة.

قرار الأغلبية في المحكمة، تبنّى بالمجمل، ادعاءات الملتمسين مؤكداً أن احتجاز الجثامين ينتهك الحق في الكرامة والقانون الدولي، حيث أعلنت المحكمة العليا للمرة الأولى بأن اللائحة 133(3) من لوائح الطوارئ لا تمنح القائد العسكري الصلاحية لاحتجاز جثامين الشهداء لكي يتم استخدامها لاحقا في مفاوضات محتملة. وأضاف القاضي بأن إجراء احتجاز الجثامين نادر الحدوث في العالم، وأن الدولة الوحيدة التي تمارسه بالإضافة إلى الاحتلال الإسرائيلي هي روسيا. وفي الحالة الروسية، قررت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان بأن البند الذي يسمح باحتجاز الجثامين في القانون الفيدرالي الروسي للدفن غير قانوني.

ولكن على الرغم من الادعاءات الليبرالية التي يزخر بها القرار، وعوضاً عن الأمر بالإفراج الفوري عن جثامين الشهداء المحتجزة، فقد حاولت المحكمة الوصول إلى شكل من أشكال التوازن المزعوم، موفرة للحكومة الإسرائيلية مخرجاً يُمكّنها من سن قانون خلال مدة أقصاها ستة أشهر، وعلى القانون أن يحتوي على نص واضح ومباشر وصريح يسمح باحتجاز الجثامين على أن لا يتنافى مع قوانين الأساس الإسرائيلية.

أما رأي الأقلية في المحكمة، والذي عبر عنه القاضي هندل، فقد وسّع نطاق اللائحة 133(3) وادّعى بأنها تُعطي القائد العسكري الصلاحية باحتجاز الجثامين ورأى بأن احتجاز الجثامين لا يتناقض مع القانون الدولي الإنساني وبأن الهدف الذي يتم لأجله انتهاك كرامة الميت أي استخدامه كورقة تفاوض هو هدف نبيل.
ويشير رفض المحكمة العليا الإفراج عن الجثامين المحتجزة بشكل فوريّ على الرغم من إدراكها بأن الإجراء غير قانوني ويتنافى مع القوانين المحلية والدولية، يشير إلى مدى تسييس قرارات المحكمة العليا الإسرائيلية.

يرى مركز القدس للمساعدة القانونية وحقوق الإنسان بأنّ أي محاولة لسن قانون يسمح باحتجاز الجثامين على أنها انتهاك صارخ وواضح للقانون الدولي الإنساني وقانون حقوق الإنسان، ويطالب مركز القدس بالإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع الجثامين المحتجزة وبإلغاء سياسة احتجاز الجثامين مرة وإلى الأبد، سواء كانت في الثلاجات او مقابر الأرقام، لأن حق الأحياء والأموات بالكرامة الإنسانية هو حق أساس ورئيس لا ينبغي تحويله إلى مراوغة سياسية.

عمارة الملينيوم ، الطابق السادس
شارع كمال ناصر
المصايف
هاتف: +970 2 298 7981
فاكس: +970 2 298 7982
ص.ب 1560 رام الله