شرعنة البؤر الاستيطانية: جريمة حرب إسرائيلية أخرى
يدين مركز القدس للمساعدة القانونية وحقوق الإنسان قرار حكومة الاحتلال الإسرائيلي الصادر بتاريخ 27 حزيران 2024 بإضفاء الشرعية على خمس بؤر استيطانية هي: جفعات عساف، أدوريم، سدي أفرايم، إيفياتار، وهيليتس. يمثل هذا القرار خطوة إضافية باتجاه الضم الرسمي للمناطق المحتلة المحظور في القانون الدولي الإنساني، ويشكل بالتالي جريمة حرب وتصعيد خطير في سياسة الاحتلال الإسرائيلي للتوسع الاستيطاني، ما يقوض أي احتمالات لإقامة دولة فلسطينية مستقلة على كامل إقليم الأرض الفلسطينية المحتلة.
إضافة إلى الوضع الكارثي المستمر في ظل حرب الإبادة الجماعية التي يشنها الاحتلال على قطاع غزة، فقد أدى كل من تشكيل حكومة طوارئ في دولة الاحتلال، وإعلان الحرب، إلى إحكام قبضة الاحتلال على الضفة الغربية المحتلة. كما يعزز إضفاء الشرعية على هذه البؤر الاستيطانية السيطرة الإسرائيلية على الأرض الفلسطينية ويساهم في التجزئة الممنهجة لها، ما يقوض حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره واقامة دولته المستقلة.
يشكل التوسع الاستيطاني انتهاكاً مباشراً لحقوق الفلسطينيين واعتداء على سبل عيشهم. حيث يقوم هذا التوسع على مصادرة الأراضي الفلسطينية، وهدم المنازل، وتهجير المجتمعات الفلسطينية المختلفة. كما تشكل هذه الأفعال انتهاكاً للقانون الدولي، ولا سيما اتفاقية جنيف الرابعة بشأن حماية المدنيين لعام 1949، التي تحظر على القوة القائمة بالاحتلال، وبشكل صريح، أن تنقل جزءاً من سكانها المدنيين إلى الأراضي التي تحتلها.
علاوة على ذلك، فقد ازدادت عمليات توسيع المستوطنات بشكل متوازٍ مع زيادة كبيرة في الهجمات الإرهابية التي يشنها المستوطنون. على سبيل المثال، تم الإبلاغ عن أكثر من 1,100 جريمة عنف من قبل المستوطنين خلال الأشهر الخمسة الأولى من عام 2024 فقط، بما في ذلك الهجمات الجماعية المنسقة، والأعمال الوحشية والإرهابية الفردية. وقد ساهم في تأجيج هذا العنف قرارات الحكومة الإسرائيلية بتوزيع الأسلحة النارية والمعدات القتالية على المستوطنين، وإضفاء الشرعية على المستوطنات، على الرغم من إجماع المجتمع الدولي على عدم قانونيتها بموجب أحكام القانون الدولي وأعرافه.
إن الإجراءات الأخيرة للاحتلال الإسرائيلي ليست بأفعال منعزلة، وإنما هي جزء من استراتيجية أوسع لضم المزيد من الأراضي الفلسطينية وترسيخ السيطرة على الضفة الغربية. على سبيل المثال، في 1 تموز/يوليو 2024، أعلن "المجلس الأعلى للتخطيط" الإسرائيلي عن خطة للترويج لبناء 6016 وحدة سكنية في عشرات المستوطنات. وفي 9 حزيران/يونيو 2024، ناقش مؤتمر داخلي لحزب الصهيونية الدينية في بؤرة "مزرعة الشاحاريت" توجيهات وزير المالية في دولة الاحتلال سموتريتش، بتمويل البناء في 70 بؤرة استيطانية غير قانونية، بعضها مبني على أراضٍ فلسطينية خاصة. تُظهر هذه التصريحات الجهود الممنهجة المبذولة لتوسيع المستوطنات، رغم صدور العديد من القرارات من الأمم المتحدة وأجهزتها المختلفة منذ عام 1979، والتي تنص على عدم قانونية المستوطنات الإسرائيلية المقامة على الأرض الفلسطينية المحتلة، والمطالبة بإزالتها. تعمل هذه السياسة الممنهجة، مقرونة بالإجراءات الأخيرة للوزير سموتريتش، على تدمير آفاق حل الدولتين بشكل كامل، كما وتُفاقم من شدة الظلم الذي يتعرض له الشعب الفلسطيني، حيث أن التوسع المستمر للمستوطنات، وزيادة إرهاب المستوطنين، ما هي إلا أدوات هادفة إلى ترحيل الفلسطينيين قسراً وخنق حياتهم، خدمةً للمشروع الاستعماري الاستيطاني للاحتلال، لتفكيك إقليم الدولة الفلسطينية المُجزأة أصلا، وسلبها لسيادتها.
يدعو مركز القدس للمساعدة القانونية وحقوق الإنسان المجتمع الدولي إلى اتخاذ إجراءات فورية وحاسمة لمحاسبة إسرائيل على انتهاكاتها المستمرة للقانون الدولي. ويحث الأسرة الدولية بمختلف مؤسساتها ودولها، على إدانة توسيع المستوطنات غير القانونية ودعم الجهود الرامية إلى حماية حقوق الفلسطينيين. يجب على المجتمع الدولي أن يقف بحزم ضد هذه الانتهاكات الجسيمة. فقد حان الأوان لمنع المزيد من التصعيد، وضمان أن يتحوّل الحديث المستمر عن دولة فلسطينية حرة ومستقلة إلى حقيقة وأمر واقع.